البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني

البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني

في العصر الرقمي الحديث، أصبحت البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني من أكثر القضايا تعقيدًا وانتشارًا في المجتمع، وعلى رأسها جريمة الابتزاز الإلكتروني، التي باتت تُشكّل تهديدًا مباشرًا للأفراد والمؤسسات على حد سواء.
ومع التطور التقني الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية، حرص المشرّع على وضع نظام متكامل لمكافحة الجرائم المعلوماتية يهدف إلى حماية الخصوصية والأمن الإلكتروني، وتجريم كل من يستخدم التقنية للإضرار بالآخرين.

غير أن كثيرًا من القضايا التي تُرفع بتهمة الابتزاز الإلكتروني قد تنتهي بالحكم بالبراءة، إما لعدم توافر أركان الجريمة، أو لضعف الأدلة الفنية، أو لوقوع أخطاء في الإجراءات القانونية.
وهنا تبرز أهمية فهم مفهوم البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني، والأسس النظامية التي تُبنى عليها أحكام المحاكم السعودية في هذا النوع من القضايا.

في هذا المقال، تقدّم لكم شركة نخبة للمحاماة والاستشارات القانونية المتخصصة في القضايا الجنائية والإلكترونية تحليلًا قانونيًا شاملًا حول موضوع البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني وفق النظام السعودي، موضحًا الحالات التي قد تُفضي إلى البراءة، ودور المحامي في الدفاع عن المتهمين، مع الإشارة إلى النصوص النظامية ذات الصلة.


أولاً: مفهوم جريمة الابتزاز الإلكتروني في النظام السعودي

1. التعريف القانوني

الابتزاز الإلكتروني هو:

“استخدام التقنية الحديثة أو وسائل التواصل أو الأنظمة الإلكترونية لتهديد شخص أو الضغط عليه للحصول على مال أو منفعة أو مصلحة غير مشروعة.”

وقد وردت أحكامه في المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي، التي نصت على أن:

“يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب أيًا من الجرائم المعلوماتية الآتية:
(1) التنصت على ما هو مرسل عبر الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي دون مسوغ نظامي.
(2) الدخول غير المشروع لتهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان هذا الفعل مشروعًا.”


تواصل الآن مع شركة محاماة متخصصة في قضايا الابتزاز الإلكتروني، واحصل على استشارة قانونية

ثانيًا: عناصر جريمة الابتزاز الإلكتروني

لكي يدان شخص بجريمة الابتزاز الإلكتروني، يجب أن تتوافر العناصر التالية:

1. الركن المادي

ويتمثل في السلوك الإجرامي المتمثل باستخدام وسيلة إلكترونية (مثل البريد الإلكتروني، أو تطبيقات التواصل، أو أنظمة الحاسب) لتهديد الضحية أو الضغط عليها.

ومن صور هذا الركن:

  • تهديد الضحية بنشر صور أو مقاطع خاصة.
  • إرسال رسائل تهديد متكررة للحصول على أموال.
  • استخدام حسابات وهمية لابتزاز الضحية عاطفيًا أو ماديًا.

2. الركن المعنوي

ويتمثل في القصد الجنائي، أي أن يكون الجاني عالمًا بأن فعله يشكل جريمة، وأن هدفه من التهديد هو تحقيق منفعة غير مشروعة.

3. الركن الشرعي

وهو النص النظامي الذي يجرم الفعل (نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية).


ثالثًا: متى تتحقق البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني؟

البراءة في القضايا الجنائية، بما فيها قضايا الابتزاز الإلكتروني، تُبنى على عدم كفاية الأدلة أو انتفاء أحد أركان الجريمة أو بطلان الإجراءات.

1. انتفاء القصد الجنائي

إذا أثبت الدفاع أن المتهم لم يكن يقصد تهديد الضحية، أو أن التواصل كان في إطار مشروع (مثل مطالبة بحق مالي حقيقي أو توضيح موقف قانوني)، فقد تحكم البراءة لانتفاء نية الابتزاز.

مثال:
إذا أرسل شخص رسالة إلى آخر يطالبه بدفع دين مستحق، وهدده باتخاذ إجراءات قانونية إن لم يدفع، فهذا لا يعد ابتزازًا، بل ممارسة لحق مشروع.

2. ضعف أو عدم كفاية الأدلة

تعتمد قضايا الابتزاز الإلكتروني على الأدلة الرقمية مثل:

  • الرسائل الإلكترونية.
  • المحادثات في تطبيقات التواصل الاجتماعي.
  • الصور والمقاطع المسجلة.

إذا كانت هذه الأدلة ناقصة، أو غير موثقة تقنيًا، أو لا تثبت علاقة المتهم بالفعل، فقد تحكم المحكمة بالبراءة.

3. بطلان إجراءات الضبط أو التفتيش

قد يتم إبطال الأدلة إذا تبين أن الضبط تم دون إذن نظامي أو بطريقة تخالف نظام الإجراءات الجزائية، مثل الدخول إلى هاتف المتهم دون إذن النيابة العامة.

وفي هذه الحالة، تستبعد الأدلة غير المشروعة ويُقضى بالبراءة لعدم وجود دليل نظامي صالح.

4. انتحال الهوية أو الاختراق

في بعض الحالات، يُستخدم حساب المتهم من قبل طرف آخر دون علمه، أو يتعرض جهازه للاختراق، مما يؤدي إلى إرسال رسائل ابتزاز باسمه.
إذا تمكن الدفاع من إثبات ذلك فنيًا، فإن المحكمة تصدر حكم البراءة لانتفاء نسبة الفعل إليه.

5. الصلح أو التنازل من المجني عليه

رغم أن جريمة الابتزاز الإلكتروني تُعتبر من الجرائم الموجبة للتعزير، إلا أن تنازل المجني عليه أو الصلح قد يؤثر على الحكم، ويُخفف العقوبة أو يؤدي إلى حكم مخفف أو البراءة في بعض الحالات الإنسانية أو الاجتماعية.


رابعًا: دور الأدلة الرقمية في إثبات أو نفي جريمة الابتزاز الإلكتروني

تعتمد قضايا الابتزاز الإلكتروني على الأدلة الرقمية، وهي الأدلة المستخرجة من الأجهزة الإلكترونية أو شبكات الإنترنت.
ومن أمثلتها:

  • البريد الإلكتروني المرسل والمستقبل.
  • الرسائل النصية.
  • سجلات الدخول إلى الحسابات.
  • العناوين الرقمية (IP Address).
  • تقارير الأدلة الجنائية الرقمية.

1. أهمية سلامة الدليل الرقمي

لكي يكون الدليل الرقمي صالحًا أمام المحكمة، يجب أن يثبت أنه تم الحصول عليه بطريقة مشروعة، ولم يتم تعديله أو التلاعب به.

2. دور خبير الأدلة الرقمية

في حالات كثيرة، يكون لخبير الأدلة الرقمية دور حاسم في إثبات أن:

  • الجهاز المخزن عليه الدليل يخص المتهم فعلاً.
  • الرسائل أرسلت من حسابه وليس من طرف ثالث.
  • البيانات سليمة ولم يتم تعديلها أو حذفها.

أي خلل في هذه الجوانب قد يؤدي إلى سقوط الدليل أو عدم قبوله، وبالتالي الحكم بالبراءة.


خامسًا: تطبيقات قضائية سعودية على البراءة في قضايا الابتزاز الإلكتروني

1. حكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة

قضت إحدى المحاكم الجزائية في المملكة ببراءة متهم في قضية ابتزاز إلكتروني بعد أن تبين أن الحساب المستخدم في التهديد لم يسجل باسمه، وأن الدليل الفني لم يُثبت أنه استخدمه بنفسه.

2. حكم بالبراءة لانتفاء القصد

في قضية أخرى، حكمت المحكمة ببراءة متهم بعد أن ثبت أن الرسائل المرسلة كانت بغرض توضيح حق مالي مشروع ولم تتضمن تهديدًا أو إكراهًا.

3. حكم بالبراءة بسبب بطلان الإجراءات

في إحدى القضايا، استبعدت المحكمة جميع الأدلة لأن التفتيش تم دون إذن النيابة العامة، مما أدى إلى بطلان الدعوى وانتهاءها بالبراءة.


سادسًا: الفرق بين البراءة وانقضاء الدعوى أو الصلح

من المهم التمييز بين:

المصطلحالمعنىالأثر القانوني
البراءةصدور حكم قضائي بعدم ثبوت الجريمة على المتهمتنقضي الدعوى ويُعتبر المتهم بريئًا
انقضاء الدعوىانتهاء الحق في العقوبة بمرور الزمن أو الوفاةلا يُعتبر براءة مطلقة بل انتهاء إجرائي
الصلح أو التنازلاتفاق بين الطرفين لإنهاء الدعوىقد يؤدي إلى تخفيف العقوبة أو حفظ الدعوى
الفرق بين البراءة وانقضاء الدعوى أو الصلح

سابعًا: إجراءات الدفاع في قضايا الابتزاز الإلكتروني

يلعب محامي القضايا الإلكترونية دورًا محوريًا في تحقيق البراءة عبر عدة خطوات نظامية متكاملة:

1. دراسة ملف القضية بدقة

يقوم المحامي بتحليل كل الرسائل والمحادثات والأدلة الفنية للتأكد من سلامتها.

2. فحص الأدلة التقنية

قد يُقدم الدفاع تقريرًا فنيًا مضادًا يثبت أن الحساب أو الجهاز قد استُخدم من طرف آخر أو تم اختراقه.

3. الدفع ببطلان الإجراءات

إذا تم تفتيش الأجهزة أو الدخول إلى الحسابات دون إذن رسمي، يمكن الدفع ببطلان الإجراء مما يسقط الدليل.

4. إثبات حسن النية أو انتفاء القصد

في بعض الحالات، يمكن للمحامي إثبات أن موكله لم يقصد التهديد أو الإضرار، بل كان يتواصل بطريقة لا تشكل جريمة.

5. استدعاء الخبراء أو الشهود

قد يستعين المحامي بخبير تقني أو شهود لإثبات أن المتهم لم يكن المتحكم في الحساب الإلكتروني وقت وقوع الجريمة.


ثامنًا: دور النيابة العامة في التحقيق في قضايا الابتزاز الإلكتروني

تتولى النيابة العامة السعودية التحقيق في هذه القضايا عبر وحدة متخصصة تسمى وحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية، وتعمل بالتعاون مع الجهات الأمنية، مثل:

  • الأمن السيبراني.
  • وحدة الأدلة الرقمية.
  • المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني.

وتراعي النيابة في التحقيق:

  1. سرية البيانات الخاصة بالأطراف.
  2. ضبط الأجهزة والأدوات المستخدمة.
  3. إحالة القضية للمحكمة المختصة بعد استكمال التحقيقات.

تاسعًا: العقوبات الأصلية في جريمة الابتزاز الإلكتروني

وفقاً لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، فإن عقوبة الابتزاز الإلكتروني هي:

السجن لمدة لا تزيد عن سنة، وغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

لكن إذا ارتبط الابتزاز بجرائم أخرى مثل نشر الصور، أو التشهير، أو الاحتيال المالي، فقد تضاعف العقوبة وفقًا للظروف المشددة.

ملحوظة:

البراءة لا تمنح إلا عندما تفشل الأدلة في إثبات الجريمة بشكل قطعي، وليس لمجرد الشك الضعيف أو الاتهام غير المثبت.


عاشرًا: أهمية المحامي في تحقيق البراءة في قضايا الابتزاز الإلكتروني

وجود محامٍ متخصص في الجرائم المعلوماتية ليس رفاهية، بل ضرورة قانونية لحماية المتهم من الأحكام الجائرة أو الأخطاء التقنية في الأدلة.

مهام المحامي تشمل:

  • مراجعة الإجراءات النظامية بدقة.
  • إعداد مذكرات الدفاع القانونية والفنية.
  • التواصل مع خبراء الأدلة الرقمية.
  • حضور جلسات التحقيق والاستجواب.
  • تقديم الاستئناف أو الاعتراض على الأحكام.

ومن خلال خبرته، يمكن للمحامي تحقيق البراءة أو تخفيف العقوبة عبر تفنيد الأدلة أو الطعن في سلامة الإجراءات.


حادى عشر: كيف يمكن لمكتب محاماة متخصص مساعدتك في قضايا الابتزاز الإلكتروني؟

في حال وُجهت لك تهمة الابتزاز الإلكتروني أو استُدعيت للتحقيق، فإن الاستعانة بمحامٍ خبير في القضايا الإلكترونية هو الخيار الأمثل.

يقدّم مكتب المحاماة الخدمات التالية:

  • الاستشارات القانونية الفورية عبر الهاتف أو المنصات الإلكترونية.
  • تمثيل المتهمين أمام النيابة العامة والمحاكم الجزائية.
  • تحليل الأدلة التقنية والطعن فيها فنيًا.
  • صياغة المذكرات الدفاعية القانونية الدقيقة.
  • متابعة مراحل القضية حتى صدور الحكم النهائي.

ثاني عشر: نصائح لتجنب التورط في قضايا الابتزاز الإلكتروني

  1. لا ترسل صورًا أو مقاطع شخصية لأي جهة غير موثوقة.
  2. تجنب الرد على الرسائل المجهولة أو المثيرة للريبة.
  3. لا تستخدم عبارات قد تفسَّر تهديدًا أو ضغطًا على الآخرين.
  4. فعّل وسائل الحماية في حساباتك الإلكترونية.
  5. استعن بمحامي فورًا عند استدعائك أو مواجهتك اتهامًا.

خاتمة

إن البراءة في جريمة الابتزاز الإلكتروني وفق النظام السعودي ليست أمرًا استثنائيًا، بل هي تطبيق دقيق لمبدأ العدالة الذي يرسّخه النظام القضائي السعودي القائم على التحقق من الأدلة والنية والمشروعية.

وفي ظل التطور الرقمي المتسارع، تزداد أهمية وجود محامٍ مختص في القضايا الإلكترونية قادر على التعامل مع الأدلة الرقمية وحماية حقوق موكله أمام المحاكم.

فإذا كنت متهمًا في قضية ابتزاز إلكتروني أو تواجه استدعاءً رسميًا، فإن التصرف السليم منذ البداية — بالتواصل مع مكتب محاماة متخصص — قد يكون الفاصل بين الإدانة والبراءة.

موضوع مهم قضايا غسل الأموال بالسعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اتصل الآن واستفسر عما تريد